اختصاص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنّه أقضى الأمّة

 

كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أقضى الصحابة، ومرجع الناس في القضاء منذ العهد النبوي، وطوال العهد الراشدي، واستمرّ على ممارسة القضاء والفصل في المنازعات أثناء خلافته، وأقضيته كثيرة، مع رسائله الشهيرة في القضاء، ومتابعته لشؤون القضاة في الأمصار والولايات.

 وكان علي، من أيام النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها، من أقدر القضاة والمفتين.
عن ابن عبّاسٍ قال: قال عمر رضي الله عنه: ((أقْرَؤُنا أُبَيٌّ، وأَقْضانا عَلِيٌّ)). (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن ، باب قوله  )ما نَنْسَخْ من آيةٍ أو نَنْساها(، ج 5، ص 177، حديث رقم (4481) )
 
عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرْحَمُ أُمّتي بأمَّتي أبو بكر. وأَشَدُّهم في دينِ الله عمر. وأصْدَقُهُمْ حياء عثمانُ. وأقضاهُمْ عليُّ بن أبي طالب. وأقْرَؤهُمْ لكتابِ الله أُبيُّ بن كعبٍ. وأعْلَمُهُمْ بالحلالِ والحرامِ معاذُ بن جبلٍ. وأفْرَضُهُمْ زيدُ بن ثابتٍ. ألا وإنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أميناً. وأمينُ هذه الأمّةِ أبو عبيدةَ بن الجرَّاحِ». (سنن ابن ماجة، المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ج 1، ص 31، حديث رقم 125 (154) )
 
وأخرج الحاكم عن علقمة بن عبد الله قال: كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. (الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين في الحديث، كتاب معرفة الصحابة، ج 3، ص 135)
 
وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال: أفرض أهل المدينة وأقضاها علي بن أبي طالب.
وعن ابن عبّاس، قال: إذا بلغنا شيء تكلّم به عليّ قضاء، أو فتيا لم نجاوزه إلى غيره.
 
وكان أبو بكر وعمر وعثمان يرجعون إليه في المشاكل العلمية والقضائية وفي كثير من معرفة أحكام الدين.
 
خلف الإمام علي عدداً كبيراً من القضايا والفتاوى والأحكام الشرعية في القضاء والفتيا والفقه، ولا عجب فقد كان من أقضى أهل زمانه وأعلمهم بالفقه وأجدرهم على استنباط الأحكام الشرعيّة من القرآن والسنّة والعرف. وكان عمر وعثمان وبقية الصحابة يلجؤون إلى علي رضي الله عنه في القضاء والملمّات والمعضلات، ويشاورونه في القضاء وغيره. وكان عمر بن الخطّاب كلما وجد مشكلة دينية عويصة أو قضية فقهية استشار علي رضي الله عنه.
 
وكان علي بارعاً بعلم الفرائض والمواريث والحساب، وذلك لأنّه كان صافي الذهن، ذا ذكاء وقريحة صافية ولا أدلّ على ذلك مما روي عنه أنّ امرأة جاءت إليه وشكت أنّ أخاها مات عن ستمائة دينار ولم يقسم لها سوى دينار واحد فقال لها: لعلّ أخاك ترك زوجة وابنتين وأمّاً واثني عشر أخاً وأنت؟ فقالت: نعم، فقال لها: لقد أخذت حقك.
 
وقد حفظت لنا كتب الفقه والتشريع والأحاديث والأخبار كثيراً من الأقوال والأحكام والفتاوى التي تدل على سعة علم، وغزارة فهم وتعمّق في دراسة الشرع المطهر، ومعرفة أحكامه، فقد كان الإمام علي معلماً ومرشداً بسيرته المستقيمة، وأخلاقه القويمة، كما كان معلماً ومرشداً بدروسه وفتاويه وقضائه وإرشاداته، وكان يمشي في الأسواق ويرشد الناس ويهذّبَهم ويقوّم اعوجاجهم ويريهم الطريق السوي في المعاملات الدنيوية، ويؤدّبَهم بالآداب الإسلامية ويساوي بينهم في القسمة والحقوق.
 

وظهرت شجاعة الإمام علي رضي الله عنه في إعلاء الحق، والتمسك بالعدالة القضائية والاجتماعية، حتى صارت مضرب الأمثال.

د. سهى بعيون